(التوجيهي جيت): تسريب أسئلة أم تسريب في منظومة القيم *المهندس حسام الطراونة

التعليم نيوز
أما وقد انتهى امتحان التوجيهي هذا العام بغير سلام وكما وصفه وزير الداخلية بمعركة التوجيهي وما رافق ذلك من تشوهاتٍ خطيرة فمن الواجب علينا ككل مجتمع حي إذا ما تعرض لهزة أو خلل أو انحراف في أمر هام أن يقف هذا المجتمع قليلاً ممثلاً بالنخبة من الأكاديمين و المثقفين والإعلامين ورجال الدين وغيرهم من القوى المؤثرة في المجتمع, ليشخصوا هذا الخلل, الإنحراف, الهزة ويبحثوا في الأسباب بجدية وموضوعية وعلمية ومن ثم يقترحوا الحلول ليصار إلى تعديل المسار ومعالجة الخلل, لأن السكوت على الخلل هو أخطر من الخلل نفسه. إن ما جرى في امتحان التوجيهي هذا العام وقبله, في الأعوام السابقة هو ناقوسٌ يدق معلنًا الخطر الداهم ليس فقط في انهيار النظام التعليمي وهذا بحد ذاته كارثة بل أن الخطر الأكبر متمثلاً في الإنحراف والتشوه الذي اصاب منظومة القيم والمبادئ والأخلاق النبيلة التي تربينا عليها ليحل مكانها معاير مؤسفه, دخيلة, مدمرة ترى في الغش شطارة وفي الفهلوه ذكاءًا وفي تحدي القوانين والأنظمة التي تنظم المجتمع رجولة. بدأ كل ذلك منذ سنواتٍ بشكل خفي, خجولٍ تدريجيًا والجميع يرى ذلك ويدركه جيدًا ولا يحرك أحد ساكنًا, إلى أن اصبحت هذه المعاير المدمرة الجديدة تمارس وخاصة هذا العام بشكل سافر, علني, فاضح وأصبح الغش في التوجيهي بكل الوسائل هو القاعدة, وكما قال وزير التربية والتعليم أن الطالب أصبح يرى في الغش حقًا مكتسبًا له, وبذلك ضاع واختفى الهدف الذي من أجله وجد امتحان التوجيهي, وهو التقيم العادل الدقيق, الذي يقيم تحصل الطالب بعد سنوات دراسته الممتدة إلى اثنتي عشر سنة. إن السؤال الجوهري في بحث هذه المسألة الهامة هو من المسؤول عن ذلك؟ من أوصلنا إلى هذه المهزلة؟ مهزلة طلبة اعتصموا وتظاهروا عندما أعلنت وزارة التربية والتعليم أنها ستضبط امتحان التوجيهي, طلبة يهددوا المراقبين حتى بالقتل, طلبة يمزقوا دفاتر امتحانات لطلبة أخرين, سماعات في ساحات المدارس تصدح بالإجابات, أسئلة تسرب أو تهرب من القاعات أو من خارجها, أسلحة تحمل في محيط المدارس من الأباء, ثم بعد ذلك تدخل التكنولوجيا الحديثة التي ابتكرها بعبقرية غيرنا لنحولها نحن بعبقريتنا الفريدة إلى وسيلة للغش والتدليس, طالبان ينتحران, تجمعات وعمليات كر وفر أمام القاعات, غازات مسيلة للدموع. ما هذا؟ أننا أمام حرب حقيقية لا أمام امتحان عادي من المفروض أن يتم بكل سلاسة وهدوء كأي امتحانٍ أخر. إن المسؤول عما حدث في التوجيهي هو (نحن جميعًا) بدايةً من الأهل الذين يعلنون الإستنفار وحالة الطوارئ والشحن لأبنائهم بمجرد وصلهم إلى الصف الثاني ثانوي وهنا يبدأ التمهيد النفسي للحرب ومع إقتراب الإمتحان حتى تبدأ المكتبات ببيع صور مصغرة للكتب توضع في الجيب اثناء الإمتحان للغش ويذهب الأب لطبيب أذن ليزرع سماعة دقيقة في أذن ابنه طالب التوجيهي, أو شراء قلم الكتروني أو ساعة الكترونية هي في الحقيقة أجهزة إرسال... فالبائع في المكتبة يبيع الغش بدلاً من بيع المعرفة والتكنولوجيا الحديثة اكتشفنا أنها وسيلة فعالة للغش, الجميع يشارك في هذه المهزلة, الأهل, الأصدقاء, الأقارب... جيش من المحرضين على الفساد يواكب الطالب -محور العملية التربوية- إلى القاعات والطالب لا يفكر إلا بأمرٍ واحد وهو "كيف سأغش؟" وحال خروج هذا الطالب من القاعة فإنه يبادر ليبشر أهله أنه استطاع بنجاحٍ أن يغش, عندها فقط ترتسم البسمة والفرحة على وجه من ينتظره خارج القاعة, أما الفرحة الكبرى فهي حين نجاحه فالعيارات النارية لا بأس أن تصيب أو تقتل عدد من المواطنين سنويًا, ومواكب السيارات لا مانع أن تشيع الفوضى في الشوارع, فابنهم قد انتصر في المعركة/ التوجيهي وهم بكل بساطة يعبرون عن فرحهم. وبعد كل هذا هل لازلنا نسأل انفسنا لماذا كل هذا العنف في الجامعات؟ ولماذا مستوى الطلبة الأكاديمي تدنى؟ ولماذا كل هذا الفساد في البلد ونحن انفسنا من نمارس هذا الفساد ثم نخرج في مسيرات لمحاربة الفساد...! إننا نوسع الحكومة شتمًا وانتقادًا ولم نتوقف لحظة لنمارس النقد الموضوعي العلمي التحليلي الصادق لمجتمعنا. إن نهوض ورفعة وتطور إي مجتمع هو نتيجة حتمية لمجمل النشاط العلمي والفكري والإقتصادي والقيمي لأي مجتمع, فأوروبا وامريكا واليابان نهضت وتقدمت بجهود ونشاط وفكر وقيم شعوبها وليس بجهود الحكومات, ففكرة الحكومة الرعوية لم يكن لها وجود في قاموسهم أما عندنا فهي كل قاموسنا. إن الأمم تتقدم بالعلم, والعلم في بلدنا هو أخر ما نهتم ونلتفت إليه وإن التفتنا إليه فيكون بطريقة مهزلة التوجيهي أو بما نشهده في جامعاتنا, فالمشاجرات لها الأولوية على المحاضرات, واستبدل الكتاب والقلم بالسكين, والإنتماء الوطني الجامع بإنتماءاتٍ جهويه عشائرية بغيضة والنخبة لدينا لا وقت لديها لتوجيه وتحفيز طلبة الجامعات على العلم والبحث العلمي والفكر الإبداعي الخلاق فهم مشغولون بالتنظير السياسي والعلم أخر اهتمامتهم, هم يردونا أن نفتح العالم وشبابنا عاجزون عن فتح كتاب, أما بعض أئمة المساجد فأنهم لم يتيقنوا للآن أن الغش في التوجيهي حرام فهذا بحاجة إلى فتوى ولذا لم نسمع من خطيبٍ على المنبر تحدث عن حرمة الغش في التوجيهي وأنّ (من غشنا فليس منا), ونقابة المعلمين لم نسمع أنها حاسبت معلم حنث بيمينه وسهل عمليات الغش ولم تشدد على المعلمين بأن يضبطوا الإمتحان بل أنها رأت في إجراء وزارة التربية بفصل بعض الطلبة من الإمتحان مغالاه. إن مأساة التوجيهي والتعليم في بلدنا لا تنتهي عند الإمتحان والنتائج بل بعد ذلك يسعى كل من نجح في الامتحان إلى دخول الجامعة وقد صرح وزير التربية والتعليم بعد الدورة الشتوية الماضية بكل فخر أن 99.6% من الطلبة الناجيحين قبلوا في الجامعات, علمًا بأن نسبة دخول الطلبة إلى الجامعات في الولايات المتحدة 20% وفي السويد 17% من طلبة الثانوية ثم بعد هذا نتحدث عن تدني مستوى التعليم والأعداد الهائلة من الخرجين والبطالة المقنعة والبطالة الظاهرة. إن منظومة القيم النبيلة التي تربينا عليها في بلدنا قد اصابها خدش كبير واصبح المجتمع الأردني وكأنه مجتمع غريب علينا, فالنظام التعليمي يتهاوى والتوجيهي وصمة عار والاستمرار في هذا الامتحان بهذا الشكل سيقودنا لا محال إلى الهاوية الأخلاقية والتربوية والعلمية, وعليه فلا بد من وقفة صادقة مع انفسنا لما فيه خير مجتمعنا وخير الأجيال القادمة وذلك بالبحث عن بديل يتناسب مع العصر ومع التقدم العلمي والتكنولوجي الفائق السرعة الذي يشهده العالم في حين أننا نتراجع إلى الخلف ولم ننجح في عقد امتحانٍ للتوجيهي يكون عادلاً منظبطاً يقيس بكل دقة وأمانه تحصيل الطالب. إن الحل للخروج من أزمة التوجيهي السنوية المتكررة يكمن فقط بإلغاء امتحان التوجيهي وذلك ضمن الاقتراحات والمعطيات التالية: 1) إن كل دول العالم المتقدم قد ألغت الإمتحان العام للثانوية منذ سنوات طويلة وكل طالب ينهي بنجاح الصف الأخير من دراسته يحصل على شهادة الثانوية ومن يرغب منهم في الدراسة الجامعية عليه أن يتقدم لامتحان قبول للجامعة وعلينا ان ندرس ونستفيد من تجاربهم الناجحة هذه. 2) بالإضافة إلى ما اصاب الإمتحان بذاته من تشويه, فالمنهاج المليء بحشو المعلومات غير الضرورية وغير المفيدة والذي يعتمد على التلقين والحفظ لم يعد يناسب العصر, واسلوب التصحيح والإجابة النموذجية كلها قيودٌ على فكر الطلبة وخاصة المجتهدين منهم. 3) لم يعد الإمتحان بشكله الحالي وما يرافقه مقياس للتحصيل الأكاديمي للطالب, فالطالب الذي يمارس الغش يحصل على علاماتٍ بغير حق والطالب المجتهد يصاب بالإحباط عندما يرى أن جهده واجتهاده بلا معنى إذا ما سرق غيره حقه. 4) إن اعتماد امتحان القبول في الجامعات سيعزز من استقلالية ومكانة الجامعات ويعزز وضعها المالي وينهي القبول الاستثنائي غير العادل ويستطيع كل طالب أن يدرس المادة التي يرغب بها وليس المادة التي قررها معدله في الثانوية. إن الحلول الخلاقه تكمن في القرارات الجريئة وعلينا أن نقرر وعلينا أن نغير وإلا سيغيرنا غيرنا وعلينا أن نخطط لمستقبلنا بأمانه وإلا سنكون ضمن مخططات غيرنا. إن التغيّر لن يكون إلا من انفسنا وصدق رب العزة في قوله: "إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم. *المهندس حسام الطراونة / رئيس نادي الإبداع
انشر الخبر في :

إرسال تعليق

 
هاتف: 962776075119 | | -جميع الحقوق م- محفوظة لموقع التعليم نيوز الإخباري
مدير التحرير (عبدالحكيم قوقزه copyright © 2011. التعليم نيوز - All Rights Reserved
Creating Website Published by
Proudly powered by Blogger custom blogger templates